تعيش منطقة الشرق الأوسط منذ عقود صراعاً على النفوذ بين العديد من دوله، تفاقم خلال العقد الماضي إلى درجات أكثر وضوحاً؛ بعد تمدد إيراني وطموح تركي مقابل سعي من قبل “إسرائيل” وبعض دول الخليج لوقف ذلك.
وشهدت الأعوام القليلة الماضية نوعاً من التقارب بين “إسرائيل” ودول خليجية، وبالأخص الإمارات والبحرين، انتهى بتوقيع اتفاق تطبيع كامل برعاية أمريكية، في منتصف سبتمبر 2020.
ورغم أن تقارير كثيرة تحدثت عن إمكانية قيام تحالف عسكري بين بعض دول الخليج و”إسرائيل” لوضع حد للتمدد الإيراني والنفوذ التركي بالشرق الأوسط؛ فإنه لم يحصل أي تقدم ملموس في إطار ذلك.
في السياق ذاته تحدثت دراسة عن إمكانية قيام تحالف جيواستراتيجي جديد بين “إسرائيل” والإمارات والهند” لمواجهة إيران وتركيا، فما إمكانية قيام ذلك في منطقة مثل الخليج؟
تحالف “هندو-إبراهيمي”
وأصدر “معهد الشرق الأوسط” لدراسة السياسات (تأسس عام 1946 ومقره واشنطن) تقريراً بعنوان “تحالف هندو- إبراهيمي في صعود: كيف تنشئ الهند وإسرائيل والإمارات نظاماً جديداً عابراً للإقليم؟”، مبيناً أن هذا الحلف لديه القدرة على تغيير الجغرافيا السياسية والجيواقتصادية في المنطقة.
وأوضح تقرير المعهد الذي ترجمه “الخليج أونلاين” أن “الديناميكيات المتعددة الأطراف بدأت تتشكل على مدى السنوات القليلة الماضية، لكنها تسارعت بشكل أكبر في عام 2020 مع توقيع اتفاقيات التطبيع، وسعي تركيا لسياسة خارجية أكثر عدوانية، وتباعد المسافة بشكل متزايد بين باكستان والإمارات”، وفق تعبيره.
وأردف أنه “على الرغم من أن القوى الثلاث (إسرائيل والإمارات والهند) ما زالت لم تتبنَّ التجمع ككتلة جيوسياسية رسمية، إلا أن الحوار الاستراتيجي الهندي- الإبراهيمي هو احتمال وثيق”.
وأشار إلى أنه “على سبيل المثال، دعت اليونان إلى إقامة حوار ثلاثي مع الهند والإمارات، ويبدو من المحتمل أن يتم توسيعه ليشمل (إسرائيل) في المستقبل؛ نظراً لدورها الأساسي في موقف اليونان في غاز شرق البحر المتوسط”.
في حين أن “الجغرافيا السياسية قد تكون السبب الرئيس لمثل هذا الاتفاق عبر الإقليم غير المسبوق، حيث لا ينبغي الاستهانة بالجانب الجغرافي الاقتصادي أيضاً”، بحسب التقرير.
ويواجه التحالف “الهندو-إبراهيمي” تحدياً من نوع آخر مع المكان الذي تقف فيه المملكة العربية السعودية، معقل الإسلام وأكبر اقتصاد عربي، فقد عززت الرياض علاقات جيدة مع “تل أبيب” ونيودلهي، وقد تنظر إلى هذا التجمع كفرصة استراتيجية على المدى الطويل، بحسب المعهد.
وأكّد المعهد الأمريكي في تقريره أن “صعود الكتلة الهندية الإبراهيمية في غرب آسيا يمكن أن يوفر لواشنطن حلاً جيوستراتيجياً للتحدي الملح بخصوص الوجود الأمريكي في المنطقة، وكيفية القيام بالمزيد من النفوذ عبر موارد أقل، مع ربط كتلة منطقة المحيطين الهندي والهادئ بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة”.
ما سبب وجود الهند بالتحالف؟
يعتقد المعهد في تحليله المطول أن التقارب الهندي الإسرائيلي مبني على عدد من المعطيات؛ مثل التقارب التركي مع باكستان في ظل رئاسة رجب طيب أردوغان المحسوب على الإسلام السياسي والنصير له، إلى جانب دعم أنقرة لإسلام آباد في قضية كشمير، وابتعاد باكستان عن الرياض وأبوظبي لصالح أنقرة.
وبيّن المعهد أن باكستان تنظر إلى تركيا باعتبارها شريكاً أمنياً موثوقاً ومورداً للأسلحة، خاصة بعد التدخل التركي في ليبيا وأذربيجان وصعود الطائرات التركية بدون طيار، كما تدعم تركيا عضوية باكستان في مجموعة موردي المواد النووية، وعارضت سابقاً عضوية الهند في المنظمة بناءً على طلب باكستان.
ولفت التقرير إلى أنه في ظل هذا التهديد المتزايد نظرت نيودلهي إلى شرق البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي لمواجهة النفوذ التركي من خلال التعاون مع خصومها الرئيسيين، اليونان والإمارات.
كما كثفت نيودلهي وأثينا التنسيق والتعاون العسكريين، وفي وقت سابق من يوليو 2021، أجرت اليونان والهند مناورة بحرية في شرق البحر المتوسط، كإظهار للتضامن مع اليونان في صراعها مع طموحات تركيا البحرية.
ويرى التقرير أنه “ببساطة كلما وسعت أنقرة وإسلام آباد شراكتهما الاستراتيجية أصبحت تركيا المنافس الجيوسياسي للهند بدلاً من كونها شريكاً اقتصادياً”.
ويتزامن التحالف الهندي الإسرائيلي مع قيام علاقة أقوى بين الهند والخليج مؤخراً، فقد ساهمت الأسلحة الإسرائيلية التي تصدر إلى الهند، والعلاقة الشخصية والتوافق بالرؤى بين رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، في تمتين هذه العلاقة.
في مقابل ذلك “دعت الإمارات الهند إلى معسكرها، مقتنصة فرصة اقتراب باكستان من تركيا، حيث تواءمت استراتيجية نيودلهي وأبوظبي حول صد النفوذ المتنامي للإسلام السياسي الذي تقوده تركيا”، بحسب التقرير.
ولعل اتفاقيات التطبيع بين “إسرائيل والدول العربية (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) ليست سلاماً بارداً مثل الاتفاقيات التي رعتها الولايات المتحدة مع القاهرة عام 1979 وعمّان عام 1994، فهي تتجاوز القضية الفلسطينية ومركزيتها بالنسبة للعرب، وتركز أكثر على المخاوف الأمنية المشتركة بشأن أنقرة وطهران وتطويقهما لإسرائيل والإمارات ودول الخليج على نطاق واسع”، وفق تقرير المعهد الأمريكي.
ما إمكانية نجاحه؟
لم تصدر أي تصريحات رسمية أو اجتماعات معلنة تشير إلى إنشاء تحالف بين الدول المذكورة، ورغم أن الحديث عن قيام تحالف عسكري إسرائيلي مع الخليج ضد إيران انتشر بشكل كبير فإنه لم يتحقق.
وفي يونيو 2021، صرح السفير الهندي لدى الإمارات فابان كابور، بأن اتفاقيات التطبيع أدت إلى تعزيز العلاقات بين نيودلهي و”تل أبيب” وأبوظبي.
وقال السفير في تصريحات لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية على هامش مشاركته في المنتدى العالمي للاستثمار في دبي: “نحن محظوظون لأن تكون لدينا شراكة استراتيجية ليس فقط مع إسرائيل ولكن مع الإمارات أيضاً.. الهند تعمل من كثب مع إسرائيل في مجالات الغذاء والزراعة والمياه”.
وأكّد أن “لدى الإمارات الكثير لتتعلمه من إسرائيل، في مجالات الغذاء والرعاية الصحية، وخاصة الأجهزة الطبية”؛ إلا أن السفير الهندي لم يتطرق البتة إلى أي حديث حول تحالف عسكري أو أمني أو جيوسياسي بين الأطراف الثلاثة.
وفي حالة تبدو كجس النبض أو إشعال الجدل شارك الدراسة الأمريكية التي تتحدث عن التحالف عبد الخالق عبد الله، الكاتب الإماراتي والمستشار السابق لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، على حسابه بموقع “تويتر”، قائلاً: “تحالف جيوسياسي وجيواقتصادي جديد قيد التشكل في غرب آسيا يضم الهند والإمارات وإسرائيل لمواجهة التمدد الإيراني والعبث التركي، ويستعد لملء الفراغ في حال تراجع الحضور الأمريكي من المنطقة”.
ورداً على عبد الخالق قال الكاتب الصحفي محمد الهاشمي الحامدي: “الهند يقودها حزب يميني متطرف ضرب عرض الحائط بالقرارات الدولية الخاصة بمسلمي كشمير، وقام ولا يزال بتجاوزات كبيرة في حق المسلمين الهنود الذين يفوق عددهم 200 مليون نسمة، وفي تل أبيب حكومة تتبنى نهج الاستيطان وتجدّد بتمويل من الإمارات نقاط التفتيش التي تتحكم في حركة الشعب الفلسطيني”.
من جانبه علق الكاتب محمد مصطفى العمراني: “الواقع يؤكد أن الإمارات بسياستها وممارساتها في الواقع تخدم إيران وتمكن لها ولحلفائها في المنطقة وبكل قوة، أما في المجال الاقتصادي فإيران الشريك الثاني للإمارات بعد الصين، وحجم التبادل التجاري مع الإمارات وصل إلى 15 مليار دولار”.
فيما قال محمد أحمد الهمداني: إن “الفراغ الذي سيتركه الأمريكي لن يملأه تحالف هجين مسخ تحتاج أركانه نفسها إلى عمل شاق وطويل لتحافظ على كيانها هي، ناهيك عن مساحة كبيرة بحجم ما ذكرت”.
من جانبه قال المحلل السياسي سالم الصواف: إنه “من الممكن قيام تحالف سياسي واقتصادي من هذا النوع بين الهند وإسرائيل والإمارات، لكن دون أي ثقل عسكري يذكر”.
وأضاف في حديث مع “الخليج أونلاين” أن تركيا لديها قبول شعبي بالشرق الأوسط، ونفوذها مدروس ولا يتم إلا بالتنسيق مع سلطات محلية أو دول، وتركز على الاقتصاد والتصدير العسكري، في حين أن إيران لديها مليشيات منتشرة في 4 دول عربية ولها نفوذ قوي فيها”.
وبيّن أن “التحالف فيما لو حصل سيركز على الاقتصاد وبعض التصريحات السياسية. إسرائيل لن تشتبك بإيران ولا بتركيا ولن تغادر حدودها، وسيبقى الموضوع في إطار المناوشات”.
ولفت الصواف إلى أن “اقتراب باكستان من تركيا متوازن ويحافظ على العلاقة المهمة والاستراتيجية مع السعودية؛ فباكستان بحاجة للدعم الاقتصادي السعودي لكنها دولة نووية قوية ولا تتحرك عبثاً بالمنطقة”.
Thanks: https://alkhaleejonline.net/